استنزاف الثروة البحرية وتهديد الأمن الغذائي بإفريقيا. تونس نموذجًا. الطاهر المعز
استنزاف الثروة البحرية وتهديد الأمن الغذائي بإفريقيا. تونس نموذجًا. الطاهر المعز
تقديم:
ارتفع الإستهلاك الفردي العالمي من الإنتاج البحري، من تسعة كيلوغرامات سنويّا للفرد، سنة 1968، إلى أكثر من عشرين كيلوغراما، سنة 2018، لكنه انخفض بنسبة 50% في بعض مناطق غرب إفريقيا الواقعة على المحيط الأطلسي، والثّرِيّة بالأسماك، وتتوقع منظمة الأغذية والزراعة (الأمم المتحدة) ارتفاع الطّلب خلال العُقُود القادمة، ما يفرض إقرار إدارة مُستدامة للنّظُم البيئية البحرية، واستغلالًا مُستدامًا للثروة البحرية، يُؤدّي إلى خَفْضِ تأثيرات انبعاثات غازات الإحتباس الحراري، وممارسات الصّيد السائدة حاليا، والتي جعلت الإستهلاك يرتفع في البلدان الغنية، التي تمتلك أساطيل ضخمة، تنهب مواردَ وثروات البلدان الفقيرة، بإفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية وبحر الكاريبي، وتُدَمِّرُ المُحيط وتقضي على التنوع البيولوجي، عبر الصّيد المُكثّف، باستخدام “الكاشطات” و “شباك الجَرّ”، في البحر الأبيض المتوسّط، حيث تقع تونس، وهو بحر صغير وشبه مُغْلَق، مُهدَّد بالتلوث وانقراض العديد من أصناف الكائنات البحرية التي عاشت في مياهه آلاف السّنين، ولا تمتلك بعض الدّول الفقيرة القوة العسكرية ولا التقنيات الضرورية لمراقبة وحماية مياهها الإقليمية من النّهب والتّدمير، ومن الصّيْد الجائر، الذي يُساهم في تغير المناخ واضطراب أنظمة البيئة…
أثْبَتَتْ تقارير منظمة الأغذية والزراعة، بالأرقام، منذ أكثر من عقد، أن البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسّط من أكثر المناطق البحرية التي تعرضت ثرواتها للإستغلال المُفْرِط، ما تسبب في فقد هذَيْن البَحْريْن الصّغيريْن نحو 62% من مخزون ثروتهما البَحْرِيّة، وتتوقع منظمة الأغذية والزراعة (فاو) أن مواصلة نسق الصّيد الحالي بهذَيْن البَحْرَيْن، شبه المُغْلَقَيْن، سوف تؤدِّي إلى القضاء على التّنوّع البيولوجي والنّظام البيئي البحري، في ظل تغير المناخ…
تحتوي منطقة البحر الأبيض المتوسّط على حوالي خمسة وعشرين ألف نوع من النباتات، ثُلُثاها أصيلة المنطقة، وثُلُثُها “وافد” أو وَقَع جَلْبُهُ من مناطق أخرى، ولكن هذا التّنوُّع البيولوجي مُهدّد، على الأرض، كما في البحر والبُحَيْرات والأنهار، بفعل نشاط الإنسان (النشاط الرأسمالي خصوصًا) الذي أدّى إلى الجفاف في بعض المناطق وإلى ارتفاع مستويات المياه في مناطق أخرى، وإلى تكثيف استغلال الأراض والمياه العذبة والمالحة، ليس من أجل تغذية سُكّان العالم، وإنما من أجل احتكار الإنتاج الذي يَتمّ إتلاف ثُلُثِهِ، وأدّى الإستغلال المُكثَّف إلى انخفاض حجم مصائد البحر الأبيض المتوسّط وأنواع السّمك، بنسبة تجاوزت الثُّلُث، خلال ستّة عُقُود…